منذ عام 1991 ترعى الأمم المتحدة حملة كبيرة لمواجهة العنف القائم على النوع الإجتماعي، حملة سنوية تبدأ من 25 نوفمبر وتنتهي بيوم 10 ديسمبر. وتتبنّى هذه الحملة التعريف بالعنف القائم على النساء، بالإضافة إلى مواجهته وحثّ الضحايا على التّكلم. وتتباين أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي من عنف جسدي، وعنف اقتصادي، إلى عنف جنسي، وعنف نفسي واجتماعي، وتعدّ هذه الأشكال التي يتخذها العنف مجرد تعريفات صورية تندرج تحتها مجموعة كبيرة من الممارسات التي يصعبُ حصرها.
وتشير التقارير الأممية إلى أن ثلث النساء في العالم يتعرضن للعنف أو تعرّضن للعنف مرة في حياتهن، بالإضافة إلى أن هذا العنف ينتشر وتزداد حدته في الأزمات الإنسانية وفي تلك الأماكن التي تعاني من الحروب وعدم الاستقرار. وتعدُّ ليبيا منذ عشر سنوات أحد هذه البلدان التي تُعاني من تذبذب سياسي وحروب مستمرّة تؤثر سلباً على جودة الحياة بالمجمل.
المرأة في ليبيا
ترى الحقوقية والإعلامية مروة سالم أن أكثر أشكال العنف الجنسي رواجاً هذه الأيام في ليبيا هي "زواج القاصرات"، حيث يعتبر زواج القاصرات إحدى محاور الحملة التي قادتها مجموعة من الناشطات والإعلاميات في ليبيا تزامناً مع حملة الأمم المتحدة المعنية بإنهاء كافة أشكال العنف القائم على النوع الإجتماعي، وتقول لنا بهذا الصدد موضحة : "إن الحملة تسعى إلى إلغاء وسد الثغرة القانونية التي تسمح بزواج القاصرات بموافقة القاضي" وتضيف أيضاً: "إن القانون الليبي يحدد سن الطفولة إلى 16 عاماً، كما أن من هم دون سن الثامنة عشر لا يملكون الأهلية القانونية ..فكيف يسمح القانون بتزويجهم؟" ونضيف أيضاً "الحملة لا تسعى فقط إلى إلغاء هذه القوانين والضغط على الجهات التشريعية والتنفيذية بل تسعى إلى زيادة الوعي بالإضافة إلى تجريم زواج القاصرات قانونياً".
ويُذكر أن محاور الحملة شملت أيضاً عدم إعطاء المنحة الحكومية للمتزوجين من قاصرات الذين وصل عددهم إلى قرابة ألف شخص، بالإضافة إلى تشجيع الكتابة التضامنية وتشجيع النساء على التكلم عن معاناتهن.
وتشير مروة سالم هنا إلى أن العنف القائم على النساء بشقّيه النفسي والجسدي مسكوتٌ عنه لأن النساء لا يتكلّمن بسبب الخوف و النبذ، وتأتي هذه الحملة في نظرها لتنهي المقولة "لا يوجد عنف ضد النساء في ليبيا" التي يتشدق بها المطبّعون للعنف اجتماعيا، الذين يرون أن العنف غير موجود أصلاً.
معاناة مُؤرّخة
قبل سنوات بدأ النشاط النسوي في ليبيا يأخذ منحى جديداً، حيث خرجت النساء من مرحلة الكلام المُجرّد إلى مرحلة التأريخ لقضايا العنف ضد النوع الإجتماعي عن طريق صفحات الفيس بوك والسوشال ميديا عموماً، حيثُ سُجّلت وأُثبتت حالات قتل وعنف واختطاف في حق النساء بما مجموعه ما بين 30-40 امرأة، هذا دون أن ننسى النساء اللاتي لم تتمكن مواقع التواصل الاجتماعي من الوصول إليهن بسبب التكتم والخوف.
وتعد مرحلة التأريخ مهمة جدًا في هذه الآونة، لأن الأرقام والأسماء والهويات مُهمة للتعريف بالعنف القائم على النساء وللتأكيد على أحقية النساء في المطالبة بتوفير الأمان داخل الفضاء الأسري، بالإضافة إلى مسؤولية الدولة في توفير الأمان للنساء داخل الفضاءات العامة.
وتقول مروة سالم عن مرحلة التأريخ : "إن مرحلة التأريخ مهمة، وأنا سعيدة لأن أسماء الضحايا تم توثيقها وإن كان مجرّد توثيق شكلي على مواقع التواصل الاجتماعي في ظل الصمت الإعلامي والمجتمعي، حيث أصبح التوثيق مهمةَ كل امرأة في ظل التكتم والتحايل وغياب الأرشفة".
متى ننتهي؟
تقول مروة سالم : "إن العنف لن ينتهي إلا عن طريق سَنِّ قوانين تُجرّم العنف ضد المرأة وتنزل عقوبات رادعة تستهدف الجناة"، فالتعويل على الحماية المجتمعية أصبح أمراً مستحيلاً في ظل تفشّي العقلية التي تحثّ النساء على الصبر في أكثر الظروف قساوة.
وتضيف مروة سالم إلى ذلك قولها: "إن جُل المتهمين في قضايا قتل النساء إما لا زالوا أحراراً، وإما تم التهاون معهم وإخلاء سبيلهم، وحتى تلك المرّات التي تم القبض فيها على الجناة كان إجراءُ القبض مجرّد إجراءٍ شكلي، فالسلطة التنفيذية تتعاطف مع الجناة في مقابل شيطنة المرأة المقتولة اجتماعياً".
وفي هذه الأيام الستة عشر التي يُخصصها العالم لمناهضة العنف القائم على النساء لا نجد هنا إلا أن نُذكِّر الجميع بأهمية النضال والتوثيق والتوعية وقول الحقيقة مجرّدة كما هي، فكلّ بيت وكل حيٍ وكل مدينة لا يكاد يخلو من نساءٍ نعرف تماماً ما يقاسينه من عنف بكل أشكاله وباختلاف تمظهراته، فالعنف القائم على النساء هو واقعٌ يجب الاعتراف به ويجب مواجهته وتجريمه اجتماعياً وقانونياً، ولا يجب بأي حال من الأحوال السكوت عنه أو تبريره.