منذ بداية التاريخ أو ربما منذ ما قبله، كان الانسان محملا بالحب دائما رغم اختلاف تمظهراته، فالحب حدث إنساني متكرر يمكن ايجاده بسهولة ما إن يلتفت المرء إلى ناحية اليمين أو ينحرف إلى ناحية اليسار قليلا، ويعبراليوم علماء الأعصاب عن الحب بشكل مبسط باعتباره فوضى هرمونية. حيث تحول الحب عبر قرون من حالة روحية غير قابلة للتفسير إلى حالة هرمونية عصبية متداخلة يمكن التعبير عنها وتفسيرها بشكل علمي ويمكن دراستها وقياسها أيضا، حيث تلعب هرمونات كالدوبامين والأوكسيتوسين بالإضافة إلى لغة الجسد دوراً رئيسياً في هذه العملية المعقدة التي نطلق عليها لفظ الحب...
تعبر الثقافة العربية عن الحب في أوضح صوره عن طريق قصائد الشعر التي نقلت إلينا ونتدارسها اليوم ضمن مناهجنا التعليمية في مرحلة التعليم الثانوي وما بعدها، هذا دون أن نغفل أسماء الكثير من الثنائيات المعروفة من أمثال: قيس وليلى أو عنتر وعبلة أو جميل ولبنى وغيرهم الكثير، ولا يجب أن ننسى أيضا الكثير من الشعراء الذين تغنوا بالحب الجسدي\الجنسي الصريح من أمثال امرئء القيس والذي اعتبر من أكثر الشعراء فصاحة.
فحاجة الإنسان إلى الحب، أو ربما رغبته في الحب، وكذلك حاجته النفسية إلى التعبير عنه كانت ولا زالت حدثا قديماً متكرراً في التاريخ البشري وليست حدثاً جديداً.
الليبيون والحب:
لا تخلو أي عائلة ليبية تقريباً من قصة حب ما حدثت في زمن ماض أو حدثت قبل سنتين أو ثلاثة أو تحدث اليوم، ولكن كل هذه القصص لا تعرف علنا إلا عندما تنقضي. وببساطة شديدة: التصريح بالحب في ليبيا أكثر صعوبة من الحب ذاته، حيث يطلب من المرء هنا في هذه البقعة الجغرافية أن يستنكر الحب علانية ويعطي النصائح بالابتعاد عن مشاكله وأيضا الابتعاد عن التهور من قبيل اللقاءات العلنية في مقابل أن يعيش قصته دون أن يدري به أحد، فالليبيون يتسامحون مع فكرة أن يحب الرجل ويعيش علاقة عاطفية (وإن كانت عابرة) ويمكنه أن يعبر عن ذلك صراحة ولكنهم حتما لا يقبلون أن تحب المرأة وتعبر عن ذلك بشكل علني، ورغم علم الجميع أن هؤلاء الرجال تربطهم علاقات عاطفية بنساء من هنا من البلد ذاته ولكن يجب علينا جميعاً أن نتخيل ونقتنع أيضاً أن هؤلاء الرجال هم على علاقة بنساء أخريات ربما من المريخ أو من مكان غير معروف أبداً، وكل ذلك كي لا نخدش ما يسمونه الحياء العام وكي لا نهدم ما يسمونه بـ قيم المجتمع المحافظ.
الحب والسوشال ميديا:
مع ظهور مواقع السوشال ميديا والنهضة الرقمية التي شهدتها البلاد في العقود الماضية وجد الشباب، وفي ظل الفصل الجندري الذي كرس في السنين الماضية، جسرا فرعيا لبدء علاقتهم العاطفية وتكوين صداقات مختلفة، حيث تمثل السوشال ميديا براحا آمنا وسهلا للتواصل مع الآخر ومعرفة معلومات عنه ومعرفة حتى اهتماماته، ولكن هذا البراح الرقمي روج أيضاً لفكرة العلاقات العابرة والقصيرة وكرّس مفهوم الحب كتجربة يمكن تكرارها لمئات من المرات، بالإضافة إلى أنه ساهم في اعطاء معلومات وأفكار مغلوطة عن الآخر عن طريق تضخيم الأنا الذي هو سمة ملاصقة لمستخدمي السوشال ميديا باختلاف أنماطهم الفكرية واتجاهاتهم، حيث يجد الشباب الليبيون أنفسهم اليوم محصورين ما بين الحياة الواقعية التي ترفض أي علاقة عاطفية مباشرة مع الآخر وبين السوشال ميديا التي تعطي تصورات مغلوطة عن الآخر الذي هو مجهول بالضرورة.
رغم ذلك مازال الليبيون بأغلبهم (خصوصا فئة الشباب) يجدون في السوشال ميديا طريقة جيدة للتواصل مع الآخر لبدء علاقة جيدة ربما تنتقل بعد مدة من طورها الافتراضي إلى طور واقعي أكثر حيوية.