في زاوية "المربوعة" اليُمنى ببيت جدها، كان يحدث تجليها السري حيث يمكنها أن تتحول سِراً لأميرة أو عرافة، أو حتى بائعة كبريت.. وتصادق شخصياتها المفضلة من شخوص الرسوم المفضلة، وتَتَسامر مُحتسيةً الشاي، مع من يحلو لها من شخوص المكتبة الخضراء التي كانت تجود عليها أمها بسرد حكاياتها بسخاء يُثري المخيلة.. فليلة بصحبة شمّا عند براريها الخضراء، أو نهار في ضيافة أليس عند أعلى تلةٍ في بلاد العجائب.. كانت لتنسيها كُل شيء أرادت محوه من ذاكرتها..أو على الأقل، هذا ما كانت تظنه لوقتٍ طويل!
بوجهها الصغير، عينيها اللامعتين، ضفائرها المصففة، وملابسها الأنيقة كانت تبدو كطفلةٍ مُفعمةٍ بالحُب والدلال من جانب، إذ تطفح غرفتها بعشرات دمى الباربي، والدبب المحشوة، والشوكولا ذات الداخل المفاجئ وكل تلك الهدايا التي أُغرقت بها في طفولتها..
تفاصيل أخرى كانت تكفي لجعلها تنسى...تنسى الكدمات الصفراء والبنفسجية المستندة على الزرقة التي كثيراً ما غطت جسدها، وتنسى لحظات التهديد المروعة التي كانت تعيشها، تلك التي كانت تنتهي بتبليل بنطالها خوفاً من وقوع العقوبة، التي كانت تقع طبعاً.
كان من الممكن أن تكون هذه قصة قصيرة أقرؤها على مضض، أتعاطف معها ثم أقلب الصفحة، ببساطة كان تصور ذلك ليكون ممكناً، لو أننيّ لم أكن أرى تلك الطفلة الباكية، المتوسلة مع كُل تحديقةٍ في انعكاس وجهي في المرآة، ولو أن قصتي هذه أيضاً كانت تحمل من النُدرة القدر الكبير، لكان من الممكن أيضاً تصوّر تجاهلها بوصفها قصة مستهجنة.
إلا أن الواقع يفرض حقائق تُثبت عكس ذلك، إذ أن حكايتي تُكرر نفسها في كُل بيت، حيث أثبتت الإحصائيات أن ثلاثة أطفال من أصل كل أربعة، يتعرضون للتعنيف المنزلي.
لذا ومن باب عدم السكوت عمّا لا يجوز السكوت عنه، قررت أن أشارككم في هذه المقالة بعض الحقائق المُقلِقة، التي تستدعي منا جميعاً وقفةً جادةً للتصدي لما يحدث خلف جدران البيوت المغلقة..
العنف الأسري - بالحقائق والأرقام
يُعرّف العنف الأسري بأنه (أيّ فِعلٍ مؤذٍ يُرتكب من قبل أحد أفراد الأسرة ضِدّ إرادة أحد أفرادها الآخرين).
وقد يظن البعض بأن الأذى المقصود هُنا هو الناجم عن العنف الجسدي حصراً، إلا أن الواقع يشهد بغير ذلك، فللعنف أنواع شتى ويُعد أكثرها تفشياً:
• العنف النفسي: مشمولاً بكل الممارسات الترهيبيّة، وبِممارسة الابتزاز العاطفي، والاستغلال النفسي.
• العنف اللفظي: ويقصد به التعنيف الكلامي، مشمولاً بكل الممارسات اللفظية التي تعنّف الفرد، وتحط من شأنه، وهذا النوع طبعاً هو الأكثر رواجاً وفتكاً بالأطفال.
• العنف الجسدي: وهو كل تعدي مادي على جسد الفرد، أو وجهه، بالضرب أو الصفع، باستخدام أداة أو بدونها.
• العنف الجنسي: ويشمل كُل أنواع التعديات الجنسية، ابتداءً بالتحرش، وصولاً للاغتصاب الجنسي.
•