لا يقف الطموح عند حدودٍ مُعيّنة ولا حواجز تسدّ مصير النجاح المحتّم. فالنجاح شُعلة تولد مع الإنسان إمّا أن يعمل من أجلها ليصل إلى ما يُريد، وإمّا أن يقف عاجزاً فيصبح كأيّ شخصٍ عابرٍ في هذه الدُنيا.
هذا حالُ ضيفنا في هذا اللقاء الذي تحدّى كل الظروف، فتحدّى سنّه ولم يقف عاجزاً عند قلّة الإمكانيات والدعم والظروف الـمُحيطة بمدينته وبلاده، بل تميّز في لعبةٍ ليست كمثلها من الألعاب: فهي لُعبة الملوك والأمراء ولُعبة الأذكياء والنبُهاء، لُعبة الخُطط الاستراتيجية والتكتيكات العسكريّة. فمن لاعبيها من قاد بلاد عاد ووضع خطط سياسيّة مُحكمة، إنّها لعبة الشطرنج ويُسعدنا أن نتحدث اليوم عن ملك من ملوكها وفارس من فرسانها الطفل والفتى الصغير يوسف عبد الباسط الحصادي.
يوسف عبد الباسط الحصادي، ابن مدينة درنة في الشرق الليبي، يبلغ من العُمر 16 ربيعاً وهو من أصغر لاعبي الشطرنج في بلادنا والعالم. يتحدّث يوسف عن بدايته في لعبة الشطرنج فيقول: "بدأت باللعبة منذ أن كنت في الخامسة من عُمري حيث بدأت تعلّمها مع أخي الأكبر حيث كان والدي يعلّمنا سويّاً. وعندما رأى والدي مهاراتي وتمكّني السريع من اللعبة اهتم بيّ بشكلٍ خاص وبدأ تركيزه عليّ إلى يومنا هذا."
أمّا عن مُشاركاته، فمُشاركات يوسف عديدة وكثيرة وجميعها مُشرّفة ومُميّزة جداً منها ما هو على المستوى الوطني أو المستوى الدولي فأمّا على المستوى الوطني كانت بطولة ليبيا للكِبار في مدينة طبرق خلال عام 2014 حيث تحصّل فيها على 5 نقاط من أصل 9 جولات، ثم جاءت بعدها بطولة ليبيا تحت سنّ 10 سنين من نفس العالم في مدينة زل يتن حيث توّج فيها بالمركز الأوّل.
أمّا عن مُشاركاته الدوليّة فكانت البداية ببطولة العرب في تونس عام 2016 والتي تحصّل فيها على الترتيب الثالث بمُشاركة الدّول (تونس، الإمارات، العراق، الجزائر، ليبيا)، ثم مُشاركته في بطولة أفريقيا للشطرنج في القاهرة عام 2017 ليفوز بكل جدارة ويتوّج بالمركز الأوّل على مُستوى الدول الأفريقيّة في 9 جولات.
لاحقاً في نفس العام، تحصّل فيها على الترتيب الأول مرّتين على التوالي في بطولة الإسكندريّة الدوليّة المفتوحة للشطرنج تحت سنّ 16 سنة، كما حاز على الترتيب السادس مُكرّر كأكثر اللاعبين احترافية من بين 150 لاعب، متحديّاً بذلك اللاعبين من عُمره وجيله.
أما خلال عام 2018 فاز بالترتيب الأوّل ببطولة آرينا في مصر، بالإضافة للترتيب الأول في بطولة الشطرنج السريع في الإسكندرية.
يُعتبر يوسف أيضاً أصغر وأوّل لاعب شطرنج يحظى بشهادة (أستاذ اتحادFM) بعد الفوز في بطولة أفريقيا والتي تحتاج للجهد كبير. واستطاع يوسف بمهارته وذكائه الحصول عليها في وقت مُبكر جداً، وهو الآن مُرشح للحصول على لقب أستاذ دولIM. كما شارك أيضاً في بطولة آرينا عام 2019 وبطولة آرينا للكبار عام 2020 وفاز ببطولة (مطروح) وبطولة الإسكندرية لثلاث مرّات.
وخلال توقّف الأنشطة والفعاليات في العالم مع بداية عام 2020 بسبب جائحة كورونا لم يتوقف يوسف عن المشاركة وإحراز مراتب عالية حيث شارك في فعاليات بطولة القارات للشطرنج السريع عام 2020 والتي كانت عبر شبكة الإنترنت وتحصل فيها على المركز الثالث وأخيراً بطولة العرب بنسختها السابعة مع بداية عام 2021 والذي شارك فيها 120 لاعب من مختلف الدول العربية ليتوّج بالمركز الأول عربياً.
لربّما يتساءل القارئ ما هي طريقة يوسف في التدريب والتمرين المـُستمّر؟ يُكثر يوسف من الزيارات للمُدربيّن وفي الأغلب هم من جمهوريّة مصر العربيّة. يعدّ المـُدرّب الناجي المكّي أحد أهم مُدربي ومُعلّمي يوسف لهذه اللعبة والذي يعمل على زيارته هذا العام إن توفرت التكاليف الماديّة من سفر ومن تكاليف التدريب، كذلك يُكثر من قراءة الكُتب المختصّة باللعبة وتعلّم الافتتاحيات والاحتماليات وآخر ما توصّلت إليه اللعبة من تحديثات.
يتحدّث يوسف أيضاً عن داعميه وللأسف كان الدعم قليل جداً لها من ناحية ترشيحه للبطولات الدوليّة أو مساعدته الماليّة للمُشاركات الخارجيّة، كان الداعم الوحيد له السيّد / عبد الله الثني – رئيس الوزراء في حكومة طبرق حيث كرّمه وقدّم له منّحة تكفي لمدّة عام خصّصها يوسف للتدريب ولتغطيّة تكاليف ومصاريف مُشاركاته الخارجيّة.
يطمح يوسف الآن للمُشاركة في بطولة العالم للشطرنج لكن العائق المادّي هو ما يقف حاجزاً أمامه، كما طالب من المسؤولين والمختصّين في البلاد ورجال الأعمال من دعمه ومُساعدته ويطلب أيضاً من الإعلامين من دعمه وتوصيل صوته للناس.
يوسف لاعب ماهر وفارس مُحترّف وفخر لبلادنا عامّة ولمدينة درنة خاصّة، ويجب علينا السعي لاحتضان هذه الموهبة ودعمها ومُساعدتها والنهوض بها إلى الأعلى، وكلنا يقين بأنه سوف يُصبح لديه اسم عالمي مرموق في لعبة الشطرنج ولن يقف إلى هنا رغم التحدّيات والصعوبات بكافّة أنواعها.