هكذا ودع الوسط الرياضي الليبي أيقونة وموسوعته الرياضية الصحفي والمعلق الرياضي والمذيع " محمد بالرأس علي" عن عمر يناهز "74" عامًا، والذي صادف اليوم العالمي في حرية الصحافة، بعد صراع طويل مع المرض في مصحات العاصمة التونسية منذ شهر مايو سنة 2022، بعد تعرضه لجلطة دماغية وإصابته بتضخم في البروستاتا، وأيضًا كان الراحل يعاني من قصور في "عضلة القلب".
ولد "أحميدة حسين بالرأس علي" المعروف ب "محمد بالرأس علي" سنة 1949 بسوق أحداش في منطقة الصابري بمدينة بنغازي، معقل نادي "التحدي". عند التحاقه بمدرسة "سوق أحداش" كانت بدايته مع الكتابة من خلال الصحف المدرسية، ومن تم المحلية على نطاق بنغازي، ونشرت له عديد من الصحف بعض من مقالاته، فجمع بين حبه للكتابة والصحافة وبين حبه للرياضة، لسيما أنه كان لاعبا في نادي التحدي في بدايته، لتبدأ موهبته في الظهور.
وكانت انطلاقته في رحلة الإعلام في مطلع السبعينات، ليترك الرياضة كلاعب بعدها فعليا، ويتحول للمجال الإعلامي، في الكتابة أولا تم التعليق تم في مجال التقديم والتحليل.
بالرhس علي هو من أشهر من علق على مباريات كرة القدم في ليبيا، ولعل عبارات وصفه وتلقيبه لعد د من الاعبين والأندية، لا زالت في ذهن الجمهور الرياضي حتى هذه اللحظة.
الراحل بالرأس علي روى في أحد اللقاءات الصحفية التي أجريت معه عن بدايته في عالم التعليق قائلًا: "كنت في بداية السبعينات أنتقل خارج مدينة بنغازي، لتغطية المباريات بالدوري الليبي، وكان في إحداها برفقة المخرج محمد حفتر في رحلة إلى مدينة إجدابيا، وكان مسجل السيارة لا يعمل، فطلبت من صديقي محمد أن أقوم بالتعليق لتمضية الوقت في هذه الرحلة، فعندما علقت أعجب كثيرا بأدائي، وهنا بدأت مسيرتي في التعليق".
كما كان له تجربة كبيرة في مجال التعليق في سباقات الفروسية ومسابقات قفز الحواجز، حيث أصرت أسرة سباقات الخيول في ليبيا أن يكون معلقًا فيها، ورغم أنه رفض الفكرة في البداية، ولكنهم أقنعوه بأن صوته سيساعد في انتشار اللعبة وزيادة شعبيتها فوافق على طلبهم.
كان بالراس علي من القامات في الصحافة الورقية، حيث تميز بلمسات كتباته وأنفاس خاصة به في الوصف والتعبير والسرد، ولعل رئاسته لتحرير صحيفة "الصدى" الرياضي، كانت أبرز محطاته، والتي صدرت من البرازيل وإيطاليا، فكان بصمته واضحة من خلال العناوين الجذابة، وصياغة الأخبار ذات الطابع الاحترافي والبعيدة عن الملل والتكرار.
خلال تواجده في البرازيل تعرض لموقف طريف، فحين أراد الالتحاق بإحدى الأكاديميات البرازيلية، قام بإعداد بثلاثة تقارير عن الكرة البرازيلية لقبوله، ولكن المشرفين على هذه الأكاديمية اتهموه بسرقة هذه التقارير والمعلومات التي فيها، ليطلب الراحل تحديًا معهم في اختبار ليثب لهم العكس، وفعلًا نجح في هذا، وحصل على اعتذار وقبول بالدراسة.
مع الإذاعة المسموعة بدأ في صمت من خلال إعداد البرامج وكتابة الأخبار والتقارير، وكان محرجًا جدًا من صوته وإلقائه في بدايته، وكان برفقة الإعلاميين "عبد الله عبد المحسن" و"أحمد أنور" في إذاعة بنغازي المحلية، ولكنه في ذات الوقت كان يتدرب ويتعلم، حتى تحصل على فرصته سنة 1977.
وكانت بدايته في تقديم ملخصات الدوري الإيطالي والإنجليزي، ليحظى أسلوبه بإعجاب كبير في الوسط الرياضي، ويبدأ في تقديم برامج أخرى، ويفرض اسمه كأبرز الأصوات الإذاعية في ليبيا، علاوة على تقديمه للبرنامج الأسبوعي الشهير "الأسبوع الرياضي" الذي كان يذاع مساء كل يوم الجمعة. كما كان من مؤسسي قناة ليبيا الرياضية بالإضافة لتوليه نائب رئيس الاتحاد الليبي لكرة القدم.
"مرة كنت مسافر، ومعايا شنطتين، وحدة كبيرة والثانية صغيرة، والي معايا سألوني شن فيهم شناطيك؟"
هكذا روى محمد بالراس علي موقفه مع زملائه وهم في طريقهم للسفر لتغطية أحداث بطولة ك أس العالم، الذين ظنوا أن الحقيبة الكبيرة للملابس والأخرى للورق والمعلومات عن بطولة كأس العالم، ولكنه فاجأهم بالعكس.
فكل الوسط الرياضي كان يندهش من كمية المعلومات الغزيرة والغريبة التي يسردها، حتى قال عنه اللاعب البرازيلي الشهير سقراط في إجابة سؤال صحفي عربي: "لديكم بالراس علي الموسوعة وتسألني أنا؟"