غارقة هذه الأيام في صفحات رواية رائعة، تتحدث عن التسامح والتشدد ووجوده في مختلف الديانات، وكيف أن الدين ليس هو الدافع الأساسي للكره والعنصرية إنما هو وسيلة ومولد لمشاعر الكراهية والحقد الموجودة داخلنا،
حيث يزداد حبنا له لدرجة تدفعنا إلى القتل في سبيله.
في قلبي أنثى عبرية، رواية فخمة للكاتبة التونسية خولة حمدي تصور لنا بين سطورها جدلية التسامح والتعصب في الأديان الابراهيمية الثلاثة.
الرواية المقتبسة عن قصة حقيقية تركز بالشكل الأساسي على حياة اليهودية ندى وتنقلها بين تونس وفرنسا ولبنان حيث أعلنت دخولها للإسلام في البلد الذي كان في ذات الوقت يعيش حركة المقاومة ضد الجيش للاسرائيلي.
حاولت الكاتبة بشكل ربما كان مثالي بدرجة قليلة عن الواقع إذابة الفوارق بين الإسلام والمسيحية واليهودية تحت حقيقة
مشاركتهم لرب واحد.
وبينما طغت روح الكاتبة المسلمة على الرواية إلا أنها صورت بشكل واقعي جدا تاريخ اليهود في البلدان العربية وبداية خروجهم منها بشكل درامي.
مزيج من الغضب والحب اجتاحني أثناء قرائتي للقصة، فبينما آلمني استخدام الدين كحجة للقتل والتفريق بين البشر،
غمرني الأمان عندما وجدته رمز للتسامح والحب والمساواة.
رواية توضح لنا أنه يمكننا اختيار طريق الدم، أو طريق السلام، وفي نهاية المطاف...الله واحد.
قصة توضح أن الشر ليس في الدين بل كامن في أنفسنا...وأن الناس لا تعبر عنهم أديانهم بل قناعاتهم اتجاه الدين المخالف وجدلية الجنة والنار.
في الحديث عن التشدد في الديانات، تذكرت أحد المصطلحات سبب لي الإرهاق في الماضي، "فِرِّيسيين الإسلام"، او المتشدّدين في الدين.
في قراءتي المتواضعة للتاريخ والديانات، استنتجت أن المتدينين المتشددين ليسوا إلا امتدادا لمصطلح وفك رة “الفريسيين"
التي أطلقها المتشددين من اليهود على أنفسهم قبل نزول باقي الديانات.
وعاشت الأفكار المتوحشة ذاتها بعد ذلك عند نزول المسيحية فيشهد التاريخ المجازر التي ارتكبت باسم الله في تلك الفترة، وفي السنوات الماضية رأينا ذات الوحشية لدى المتسترين بشرع الإسلام.
عموما لطالما سببت لي جدلية الدين والتعصب الأرق، وفور دخولي في نقاش حتى وإن كان داخلي في هذه المسألة، لا أخرج منه سليمة العقل.
ولكن لنعود هذه المرة إلى روايتنا الشيقة والكاتبة المميزة.
كما يقولون فإن كل كاتب يشبه أكاذيبه، وحقا هذا ما لمسته أثناء قراءتي لهذه الرواية، فالتونسية خولة حمدي من مواليد 1984 بتونس العاصمة عملت كأستاذة جامعية في تقنية المعلومات بجامعة الملك سعود بالرياض حيث اكتسبت الخبرة والمعلومات الكافية عن الأديان وقوانينها.
وقد تحصلت خولة على شهادة في الهندسة الصناعية والماجستير من مدرسة "المناجم" في مدينة سانت إتيان الفرنسية، المدينة التي خزنت فيها ملامح البلد وتقاسيمه والتي صورتها لنا بين طيات الكتاب.
في قلبي أنثى عبرية كانت الرواية الأولى لخولة والتي أصدرت في سنة 2012 وهي مستوحاة أيضا من قصة حقيقية ليهودية تونسية دخلت الإسلام بعدما أغرمت الكاتبة بشخصية طفلة مسلمة يتيمة الأبوين وقفت في وجه الظروف بشجاعة.
أما الشخصية الثانية التي أثرت على الكاتبة هي شخصية شاب لبناني مقاوم ترك بصمة في حياتها الشخصية.
نعم يا أحبائي، كل كاتب يشبه أكاذيبه، وكل قارئ تسيطر عليه تلك الشخصية التي اقتحمت روحه في صفحة ما، ولكن ماذا وإن كان الكاتب قارء بامتياز، فهل سيشبه أكاذيبه أم تلك الأكاذيب التي أغرم بها في ليلة ذات إلهام أدبي.
هل ما نكتب هو ناتج مكنون داخلي لم يلمسه أحد...أم هو ناتج عن أساطير وروايات طبعت داخلنا إلى الأبد؟
لا توجد حقاً إجابة لهذه التساؤلات!
كل ما يعنيني حقا هي تلك الروايات التي بصمت روحها داخلي، وتلك المشاعر المتدفقة التي تدفعني للكتابة، مزيج من هذا
وذاك، يدفع القلم بين أناملي إلى كتابة ما لم يكتب من قبل.