يستيقظ البطل ليأمر آلةً بأن تساعده على النهوض، تختار ثيابه عنه، تحضر له كوب قهوته وتقدم له الفطور على شاكلة كبسولةٍ غذائية صغيرة، مشهدٌ تكرر كثيرًا باختلاف التفاصيل الصغيرة في مسلسلات الكرتون التي كنّا نشاهدها بحماسةٍ تتنبأ بشكل مستقبلنا، وعلى الرغم من أن تجليات هذه النبوءة لم تحقق كاملةً " أو على الأقل ليس بعد!" إلا أن أثر المكننة الافتراضية بدأ يحتل مكانة كبيرة في حياة الفرد منا، سيما بعد أن أصبح الذكاء الاصطناعي أداةً متاحةً للجميع بقدراته المدهشة على حلحلة المشكلات المعرفية التي كانت ميزة يختص بها العقل البشري دون غيره.
فاليوم بات الذكاء الاصطناعي وسيلة تيسيرةً تساعد على إتمام المهام وإنجازها في وقت أقصر، الأمر الذي دفع الكثير من المؤسسات والشركات للتخلي عن بعض الأدوار البشرية واستبدالها بأخرى يسيرها الذكاء الاصطناعي، إلاّ أن هذا الأمر كان حتى أمسٍ قريب لا يشكل أي خطرٍ على المبدعين المنوطة أدوارهم بالإنجازات الم بتكرة في المجالات المرتبطة بالفنون، مثل الرسم، والتصميم، والكتابة مثلاً..
إلاّ أن تقنية "شات جي بي تي 3" قلبت موازين هذه الحسبّة فبات اليوم من شأنك أن تحصل على إجاباتٍ فلسفية، تكتب مقالة، أو حتى تبني أساساتِ روايةٍ أي كان نوعها، فمع روبوت المحادثة chat GpT صارت محاكاة أساليب الكتابةِ البشرية أمرًا في متناول اليد.
ولك أن تتخيل حالة الهلع التي أصابت مجتمعات الكتّاب بعد أن حصدت الرواية اليابانية "Sympathy Tower Tokyo" جائزة "أكوتاجاوا" التي تعد من الجوائز الأدبية المرموقة في اليابان والتي صرحت مؤلفتها "ري كودان" أن "تشات جي بي تي" ساهم في كتابة 5% من من الرواية!
وأضافت "كودان" بأنها استعانت بالذكاء الاصطناعي لاستخدام لتغيير بعض السياقات ولانتقاء الكلمات بدقةٍ أكبر ، ووصفت لجنة التحكيم كتابها بأنه "عمل ممتع ومثير للاهتمام، ولا تشوبه شائبة".
ومن هنا تنبع أكبر مخاوف العاملين في القطاعات الأدبية، وفي مجالاتٍ العمل الكتابي بصورة أعم، فهل يمثل الذكاء الاصطناعي خطرًا حقيقيًا على مستقبل الكتابة البشرية؟
في الواقع فإن هذا السؤال قد أرق الباحثين في المجال التقني لفترةٍ ليست بالقصيرة فمن وجهة نظرهم إن المرونة المُطلَقة للذكاء الاصطناعي قد تهدد حقًا الكتّاب بالبطالة وتوصَد أبواب التوظيف في وجههم
أجرت جامعة أكسفورد دراسة تُقدّر بأن 47% من الوظائف الأميركية قد تكون مُعرَّضة للخطر. وفي هذا السياق صرح خبير التوظيف والتحول التكنولوجي، والأستاذ في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا،"ديفيد أوتور" قائلاً "قديمًا، كان الذكاء الاصطناعي يُظهِر تقدُّما مطابق حصرًا للتنبؤات، وكل ما كان عليك فعله أن تُلقِّن جهاز الكومبيوتر الخطوات، ليتبع ما تمليه عليه دون أيّما زيادة أو نقصان، وبالتالي فإنه كان يفتقر للقدرة على التعلم والارتجال "أما الآن وبعد أن طُوِّر روبوت المحادثة "تشات جي بي تي3" ليرتجل، ويبتكر، ويطوّر، فإنه بذلك يزعزع استقرار أعمال الكتاب، والموظفين بصفة عامة، بغض النظر عما سيؤول إليه مصير هذه الوظائف في النهاية".
لكن هل يعني هذا بأن دخول الذكاء الاصطناعي لحياة الكتاب من أوسع الأبواب هو أمر سلبيٌ بالمطلق؟ أم أن ذكائنا البشري يمكنه أن يستعمله كوسيلة تعود على حرفتنا بالنفع والإيجاب؟ وبما أن واحدة من أهم وظائف الكتابة وأكثرها رواجًا هي مهنة كتابة المحتوى فكيف ينعكس كل ذلك على هذه المهنة على وجه الخصوص؟
لعل علينا أولاً أن نذكر أنفسنا بأن الذكاء الاصطناعي هو من اختراع عقولٍ بشرية، وأنه مهما تطوّر يظل أداة لها من الانعكاسات الإيجابية قدرٌ موازيٍ لتلك السلبية بل وقد يزد عليها أيضًا، فمثلاً يمكنك أن تستعين بالشات جي بي تي لتزيد من كثافة إنتاجية المحتوى الذي تكتبه، فهو يعد وسيلةٍ جيدة جدًا لكتابة هياكل نصية أولية في غضون ثوانٍ يمكنك بلمسةٍ إبداعية صغيرة أن تحولها لنصٍ لافتٍ ومثيرٍ للاهتمام.
أو وبما أن تقنيات كتابة المحتوى الذكية قادرة على تقديم محتوى بناء على البيانات والنماذج اللغوية الضخمة التي تم تدريبها عليها، فيمكنك أن تعتمد عليها لتساعدك في اختزال معلوماتٍ تثري بها موضوعية محتواك.
كذلك تعد واحدةً من أهم الأدوات التي يتيحها لك استخدام الذكاء الاصطناعي هي أداة إعادة تحوير المحتوى التي من شأنها أن توفر عليك وقتًا وجهدًا، وكثيرًا من المتاعب التي يمكن أن تطالك جراء انتهاك حقوق الملكية الفكرية.
ختامًا فإن الذكاء الاصطناعي ورغم كونه وسيلة عبقرية قد تثير فينا بعض المخاوف إلا أنه لم يتمكن من استبدال بداعة مخرجات العقل البشري التي تتميز بقدراتها اللا محدودة على الابتكار، وعلى إضفاء لمساتٍ شاعرية تحول جملةً رصينة التكوين لأخرى قادرةٍ على تحريك مشاعر القارئ.
لذا عزيزي القارئ لا ت خف فإن الذكاء الاصطناعي، لا يوازي ولو بالمقاربة قدراتك على الإبداع، أو على الأقل "ليس بعد!". 🙂