باحتفال قناة سبيستون بعيدها الحادي والعشرين، في العاشر من هذا الشهر؛ لم تعد "قناة شباب المستقبل"؛ وإنما قناةً لشباب الحاضر. فقد كبر هذا الجيل مثلما كبُرَت، وخرج في أطوار العمر المتلاحقة من القيم الأخلاقية الافتراضية الملقَنة إلى الاشتباك مع الواقع بكل ما يحمله من تحديات وقسوة وفجاجة في كثير من الأحيان. إلا أن هذا الوعي البارد بالواقع وإكراهاته، لم يطغى على تلك الأحلام والمشاعر في نقاوتها الأولى، التي كانت محكومة بتصورات حاسمة، تفصل بوضوح بين الخير والشر، والعدل والظلم، والجمال والقبح. بل ربما حدث عكس ذلك: باتت الذاكرة الطفولية البريئة ملجأً حميماً يلوذ به كل طفل هو الآن محسوب في عِداد "الشباب".
وهذه ذكرى لأحدهم..
موت ألفريدو في "عهد الأصدقاء"، والعم فيتاليس في "ريمي"، وربما وفاة عماد في "شوت"؛ شكّلت لدى أبناء جيلي ذُرى فواجع الطفولة، والشعور المبكر بمرارة فقد الأحباب.
وإلى ذلك كله، أضيفُ موت روجينا، في "هزيم الرعد" حيث ما يزال مشهد موتها بالنسبة لي الأكثر دراميّة وتراجيديّة من كل ما مررتُ به من مشاهدات الطفولة.
فالقائدة روجينا، كانت السيدة الوحيدة ضمن "الأربعة الكبار" في إمبراطورية غوجـو. وفي حين رأى الجميع في هزيم الرعد مجرد شاب مندفع متهور؛ رأت روجينا فيه خصال الطموح والجرأة والصدق التي تعِده بمستقبل عظيم. وهكذا غدا الشاب الشجاع ضمن الجنود المقربين من القائدة.
ثم توفي الإمبراطور دانجـو، فانفجرت مطامع الداخل والخارج (ألا يُذكّركم هذا بشيء؟!) واختلفت الولاءات والرؤى والمصالح، التي عصفت بالإمبراطورية وجعلتها مسرح لحروب أهلية متعددة الأطراف.
وكان لابد أن يضع اختلاف الموقف، الجندي الجريء أمام قائدته المهيبة يوماً ما، في مواجهة لن يخرج منها أحد منتصراً.
حدث اللقاء المحتوم، وماتت روجينا وسط انهمار دموع هزيم، وخلفية موسيقية شاعرية في مشهد أعتبره الآن ثقيلاً، شديد الوطأة على قلوبنا الصغيرة حينذاك.
ولكن يبدو أن سبيستون لم تكتفِ بهذه الجرعة الثقيلة من التراجيديا، فقررت أن تجعل المشهد "شكسبيرياً" يتم فيه قتل روجينا بسيف هزيم بالذات، وأن تجعل روجينا تخاطبه قائلة: "هزيم، لقد انتصرتَ عليّ. ضربتك القوية مضَت عميقاً في جسدي... لقد خضتُ معركتي الأخيرة بشرف، وهُزمتُ بشرف". قبل أن ينهار هزيم بدوره، وهو يرى قائدته تهوي، فيقول في نفسه: "يا له من حلم، إنه مؤلم جدا، هل عليّ أن أقتل أكثر إنسان أحترمه من أجل الحلم؟".
فيما أكد الراوي حقيقة هذه "الضربة القوية" ليزيد من اقناع الطفل البريء، الذي ربما يتسائل عن عدم وضوح مشهد الطعنة القاتلة!
وهكذا جعلت سبيستون من هزيم الرعد قاتلاً لقائدته روجينا، بعد أن قتل في وقت سابق أبا سيموني التي أصبحت زوجته فيما بعد!
أما في النسخة اليابانية فلم تكن ثمة طعنة. فقد قامت روجينا بإلقاء نفسها في شموس بحر كينشو السبع. هكذا يقول السيناريو الأصلي، الأكثر قتامة وبرود، والأقل دراميّة.
إذاً هو "إجرام بحق النفس" كما تصفه سبيستون، ومُحال أن تقوم بعرضه. وهذا يتطلب لمسة "تحريف" عالية، يُتجاوز فيها استبدال شراب كوغورو موري المُسكِر بالعصير المسبب لـ"الصداع"، أو"خِطبة" ران إلى سينشي!
لكن هذا التغيير أتى طبيعياً، في سياق عمل اتسم بالمأساوية من الأساس، بكثرة فواجعه المؤلمة. بل ربما يكون هذا التغيير الطفيف/المؤثر، هو ما جعل هذا المشهد أيقونياً، ممتلئاً حزناً مؤلماً وحيرة قاتلة، وجعله مستقراً في ذاكرتي محفوراً كل هذه السنين بكافة تفاصيله. هذا ما دفعني لأكتب عنه الآن، وأنا في هذا العُمر، وفي هذه الظروف، وفي هذا الوقت.
مشهد كان يمكن أن يعبر بشكل عادي، لولا أن تولّت "إعادة إخراجه" قناة غير عادية، استطاعت أن تحتفظ بإخلاص جمهورها، رغم كل شيء حدث له، ولها، وللعالم.