كانت سمانا صافية

مظاهر الرحمة والمودة التي اختفت على حد تعبيرها، تلاشى الصحن الطواف على 

بيوت الحارة (التذويقة) يحتوي هذا الصحن على قطعتين على األقل من أغلب ما تم 

طهوه لإلفطار ويستمر هذا الصحن يبدل محتوياته قبل خروجه من كل بيت ليذهب 

للبيت التالي حتى يعود للبيت الذي بدا منه. 

ربما أحد أسباب اختفاء هذه العادة هي الظروف الاقتصادية التي جعلت من البيوت 

تحاول كفاف حاجتها فقط (جدتي لا تنكر هذا التأثير ولكنها تحمل عتب علينا لهذا تبدو 

نبرتها غاضبة). 

كانت سمانا صافية، تقصد هنا بالسماء قلوبهم كانت البيوت والقلوب مفتوحة على 

بعضها البعض تكاد لا ترى باب بيت واحد مغلق، بسبب التغييرات في النظرة الحديثة 

للبشر لعلاقاتهم، بنيت السدود وكثرت القفال على الأبواب. 

التجمعات العائلية التي لا تقل عن 20 فرد في بيت واحد، العائلة بكل فروعها تجتمع 

على الأقل في أول يوم من رمضان و منتصف رمضان (15 من رمضان) وليلة القدر (26 

من رمضان) ، هذا ان لم يجتمعوا في كل يوم والان (العرب كلها قسمت من بعضها) 

على حد تعبير جدتي. 

تجتمع العائلة على مائدة الافطار ليذهب بعد الانتهاء منها الرجال لصلاة التراويح وتبقى 

النساء للاستعداد للجلسات الدافئة بعد الانتهاء من صلاة التراويح، تزين هذه 

الجلسات أطباق الحلويات البسيطة المعتادة وأحاديث الجدات تتخللها الضحكات 

العالية الجماعية. 

اعتدلت في جلستها و حدثتني طويلا عن شوقها (للعدالة) اختفت العدالة من بيت 

جدتي بعد تعرضها لوعكة صحية وهذا على أغلب السبب لاختفائها من الكثير من 

البيوت، جدتي لا تزال ترفض التسليم لحكم العمر وفعل الزمن كما حال الكثير من 

الجدات، ربما بسبب اختفاء العدالة تشعر الجدات بنوع من الإقصاء من المشاركة في 

تحضير الفطور الرمضاني. 

فالبداية كان صوت الراديو الذي يصدح اثناء النهار بأيات من التلاوات لقراء كانوا جزء لا 

يتجزء من ساعات تحضير الطعام ليتغير بعد الفطار لبعض البرامج المسموعة وفي 

وقت متقدم من عمر جدتي بدأ التجمع على التلفاز لمشاهدة برامج معينة كوميدية 

في غالبها، ليكون جزء لا يتجزء من الروتين الرمضاني لعائلتنا، لكن على حد تعبير 

جدتي برامج ومسلسلات هذا الوقت لم تعد تصلح للمشاهدة العائلية وتلاشت هذه 

العادة ايضا. 

في سياق اخر حدثتني عن الآكلات، المائدة لم تكن تتمتع بالتنوع الذي نراه اليوم 

لكنها كانت أدفء بكثير. 

في النهاية، عبرت عن تمنيها أن يعود ارتباطنا وسعادتنا برمضان وان نستشعر روحانيته 

كما فعلت الأجيال التي سبقتنا، هذا الحديث المليء بالنوستالجيا أثار في داخل 

جدتي الحنين الممزوج بالكثير من الحزن والحسرة على ما اختفى من مظاهر رمضان 

في نظر جدتي، لكن رمضان حاله كما حال كل شيئ خضع لقوة التغيير. 

من يجلس حول المائدة اليوم ليس من جلس حولها قبل عشرين عام بالتأكيد، 

ستختلف كل التفاصيل، ربما أجيال اليوم تحاول وضع تقاليدها الخاصة لرمضان، هذه 

التغيرات ليس كلها سيئة ولكنها ضرورية لاستمرار الحياة. 

بعض الأجيال التي تلت جيل جدتي تشعر أيضا بالحنين لرمضان زمان ويعبرون فالكثير 

من الأوقات عن حزنهم لاختلاف مشاعرهم تجاه الشهر الفضيل، بالطبع سيكون هناك 

فرق شاسع بين طفل مبتهج لرؤية مائدتهم تزدحم بكل مالذ وطاب من مؤكلات مميزة 

وحلويات قد منع منها لوقت طويل، وحماسه للعب مع اصدقائه لأوقات متأخرة دون 

مقاطعة لشعور بالغ يحمل على عاتقه مسؤولية توفير كل ما سبق. 

ولكن يجب أن نأكد أن كل هذه التغييرات لا تقلل من بهجتنا بقدومه ولا يقلل من شأنه 

في نفوسنا ولا ينزع من روحانيته شيء. 

ختاما أطال الله في عمر جداتنا ورحم من فارقونا وأدام علينا بهجة رمضان.