منذ بداية الزمن عرف الإنسان الصلح كبديل للنزاع والقتال الذي يلجؤون له كأول حل لكل اختلاف يواجههم.
نشأت بالتدريج وظيفة يشغلها أشخاص مرموقين اجتماعيا وسط جماعتهم , يلجئون اليهم لحل النزاع بين الأفراد أو الجماعات الصغيرة شيئا فشيئا تطور الأمر وأصبح هناك خبرات من النزاعات السابقة ليتم الرجوع إليها في حال حدوث نزاع مشابه , وهكذا كانت بداية المصالحات الاجتماعية.
لغويا ( صالحه ) يعني سالمه وصافاه , الصلح هو الوجه الآخر للسلم.
مع الزيادة الهائلة في أعداد التجمعات البشرية أصبحت هذه النزاعات قد تشمل مجتمع بأكمله ومن هنا جاء مصطلح ( المصالحة الوطنية ) أي مصالحات على نطاقات تشمل الوطن بأكمله.
تنشأ الصراعات لسبب أو لآخر فتترك وراءها تركة ثقيلة من الانتهاكات والظلم وتثقل هذه التركة كلما طال الصراع , تجد المجتمعات نفسها أمام خيار واحد إن أرادت النجاة بنفسها وهو أن تتصالح وتترك للسلم كرسي على طاولتها.
لتحقيق المصالحات بشكل واقعي وللوصول للنتيجة المرجوة نحتاج لعدة عوامل وجميعها تكمل بعضها ومن دون دمجها جميعها ستكون دائما المصالحة ناقصة.
إن الاحتكام للقضاء والسياسة غير كافية , لا نقلل من أهمية تحقيق العدالة كجزء أساسي من المصالحات الوطنية ولكن دائما هذا الجانب يواجه بالانتقاد وأحيانا اتهام من يقوم عليه بالانحياز لطرف ما , لكن إن اشركنا الفن كجزء أساسي في كل خطوات المصالحة سنضمن وجود عامل يتفق الأغلب إن لم يكن الجميع عليه ليذكرنا دائما بتشابهنا.
الفن كداعم للمصالحة ..
كما ذكرنا سابقا من أهداف الفن الأساسية هو جمع الناس من مختلف الخلفيات وإشعارهم كم هم متشابهون من خلال استمتاعهم بنفس الجمال , فما بالك بمن يملكون نفس الإرث الثقافي , يمتلكون الذكريات نفسها مع هذا الموروث الفني.
إذا لا نحتاج من الفن سوى أن يذكرهم بهذه الروابط والجذور التي غطاها غبار الكراهية والتأجيج.
يحمل الفن خصوصا التراثي منه في طياته جزء من هوية هذا المجتمع يمكن العودة عليها لتذكرهم بما أنساهم الصراع.
تزخر ليبيا بتنوع ثقافي هائل بفضل مساحتها الجغرافية الشاسعة , جرى بشكل أو باخر التلاعب بهذا التنوع ليخدم مصالح سياسية.
هذا التلاعب والصراعات المتتالية سياسيا وعسكريا أحدثت أذى كبير فالروابط الاجتماعية , للرجوع للوحدة الاجتماعية والمحافظة عليها يجب علينا بذل جهود عظيمة للملمة هذه الجروح , لن يداوي جراحنا أحد غير ونحتاج لهذه المداوة بشكل عاجل كلما تأخرنا كلما اتسع الشرخ.
يمكننا التعويل على أرث ليبيا الثقافي لجمعنا من جديد , فهي تمتلك ارث أصيل غير قابل للاختراق يمثل أرضية صلبة للانطلاق منها وشعب لا يزال ينظر لإرثه بنفس نظرة التقدير.
للأسف تم إشراك الفن والإعلام بشكل كبير ليكون طرف مؤجج لهذه الصراعات في العقد الماضي من تاريخنا , ولكن نتفاءل بجيل جديد من المبدعين يعي مسؤوليته المجتمعية اتجاه التوعية ودعم هذه الحاجة للمصالحة , نرى مبادرات وان كانت صغيرة وأحاديث تحدث هنا وهناك تدل بشكل صريح على إيمان الحقيقي بتأثير الفن وشعورهم العالي بقدرة الفن على مساعدة المجتمعات لإعادة بناء نفسها.
نحتاج للابتعاد عن خطابات الكراهية وحتى مقاطعة الأعمال الفنية التي تحمل رسائل التي من شأنها تقشير الجروح والتركيز على ما يجمعنا بدل من تضخيم كل ما يفرق ولا شيء أفضل من الفن ليذكرنا بجذورنا المشتركة لننطلق بعقلية جديدة لحل مشاكل الماضي.
يعتمد نجاح المصالحات المجتمعية على التركيز على أسياق المجتمع وثقافته وفنونه وعاداته , ولنا في تجربة رواندا واعتمادها على الفن خير مثال يمكن الاستعانة والاستفادة منه فالعودة للجذور.
ختاما.
إننا كشعب متأثرين بالفن في كل نواحي حياتنا اليومية , تسخير هذا التأثير ليرجعنا إلى بعضنا البعض مهمة ليست بالصعبة ولكنها أهم مما نعتقد بكثير.
عودتنا للاتفاق هي مسؤوليتنا وحدنا , فلن يرجعنا إلينا سوانا.
- هبة الزوي