يوم الثورة: الأمس، اليوم، والغد

يحلّ يوم الثورة كل عام محمّلاً بعبق الأمل والتضحيات وثقل التاريخ. كان من المفترض أن يكون هذا اليوم رمزًا لبزوغ فجر جديد، ووعدًا بتحقيق تقرير المصير، ونهايةً لعصرٍ من الاستبداد. لكن ليبيا اليوم تقف عند مفترق طرق مرة أخرى، حيث تبدو مُثل الثورة متشابكة مع واقع التدخل الأجنبي، والانقسام السياسي، والمعاناة الاقتصادية. ما كان يومًا انتصارًا مجيدًا، أصبح لدى الكثيرين ذكرى مريرة لما كان يمكن أن يكون عليه المستقبل.

الأمس: ثورة مُلهَمة بالأمل 

لم تكن الثورة التي اجتاحت ليبيا مجرد انتفاضة، بل كانت صرخةً مدوية في وجه الظلم. خرج الناس إلى الشوارع برؤية واحدة: استعادة وطنهم من قبضة الاستبداد، وبناء ليبيا حرة، عادلة، ومزدهرة. 

كان الشعور بالنصر الأولي أشبه بالنشوة، فقد بدا وكأنه بداية عصرٍ ذهبي، حيث يكون الحكم بيد الشعب، وتُدار موارد ليبيا لخدمة أبنائها. كانت لحظة الأمل في ذروتها، حيث بدت التضحيات مبررةً في سبيل مستقبل أفضل. 

اليوم: ثورة مختطفة 

لكن الأمل وحده لا يصنع الأوطان. فقد شهدت السنوات التي تلت الثورة انزلاق ليبيا من أيدي أبنائها إلى أيدي القوى الأجنبية الطامعة. وسط الفوضى، تدفقت الجماعات المسلحة والمرتزقة الأجانب بحجة محاربة التطرف العنيف، لكن سرعان ما تحولت مهمتهم إلى ما هو أبعد من ذلك. فقد لعبوا دورًا حاسمًا في النزاعات الداخلية، أولًا في مواجهة الجماعات المتطرفة، ثم بالتحالف مع القوى العسكرية الساعية للسلطة، وأخيرًا بتوطيد نفوذهم في المشهد السياسي المنقسم. 

واليوم، أصبحت ليبيا محاصرة بين التدخلات الخارجية، والتناحر الداخلي، والوعود الثورية غير المحققة. فالمُثل التي قامت من أجلها الثورة – السيادة الوطنية، الحكم الذاتي، والعدالة – أصبحت ضبابية أمام واقع النفوذ الأجنبي. كانت الثورة تهدف إلى تحرير ليبيا من الهيمنة، لكنها بدلاً من ذلك أصبحت ساحة لصراعات النفوذ، حيث تتم صياغة مستقبلها خلف الأبواب المغلقة. 

بالنسبة لكثير من الليبيين، أصبح يوم الثورة يومًا يحمل طعم المرارة، يذكرهم كيف يمكن أن يُسرق الانتصار بسهولة. الشوارع التي كانت تضج بالاحتفالات ذات يوم، باتت صامتة إلا من أصوات الإحباط. وما كان يُفترض أن يكون ميلادًا جديدًا للوطن، تحوّل إلى صراع طويل من أجل الاستقلال الحقيقي. 

الغد: استعادة روح الثورة؟ 

ورغم كل ذلك، فإن الأمل لم يمت. فقد أثبت التاريخ أن الثورات ليست مجرد أحداث لحظية، بل هي معارك طويلة من أجل تحقيق العدالة. لا ينبغي أن تكون ذكرى الثورة مجرد استرجاعٍ لأحلام ضائعة، بل يجب أن تكون تذكيرًا بالصمود. فلا يمكن السماح بأن يكون مستقبل ليبيا رهينةً لمصالح خارجية أو أجندات تخدم غير الليبيين. 

يجب أن يتحول يوم الثورة من كونه رمزًا للانقسام إلى يوم للوحدة الوطنية. ينبغي أن يذكّر الليبيين بأن النضال من أجل السيادة لم ينتهِ بعد، وأن مستقبل البلاد لا يزال بأيديهم. ولتكريم التضحيات التي قُدمت، يجب أن تمضي ليبيا نحو مستقبلٍ تُطوى فيه صفحة التدخلات الأجنبية، ويُبنى فيه الحكم على الشفافية والمساءلة، وتتحقق فيه الأحلام التي نادى بها الثوار في 2011. 

لم تكن الثورة يومًا تهدف إلى وضع ليبيا في دائرة من التبعية والانقسام. مبادئها كانت ولا تزال تطالب بالمزيد. وشعبها يستحق أكثر من ذلك. وطالما بقيت روح الثورة حية، فإن الأمل في ليبيا حرة ومستقلة سيبقى قائمًا. 

مقالات ذات صلة