غارقة هذه الأيام في رواية جديدة، وحياة قديمة، أجد نفسي مندمجة بين طيات الماضي المصري، بين ازدحام مملكة الملك فؤاد ووالده، وفقر الخدم وطيبتهم.
بدأت الرواية بمقتطفات بسيطة تحكي قصة اختراع السيارة وكيف قابلها الناس على أنها فعل من أفعال الشيطان الذي وعد بتدمير الأرض، وكيف كانت نهاية هذا الجهل على أيدي العقول المثقفة، ومنها ينتقل الكاتب إلى قصة نادي السيارات في مدينة القاهرة، الذي ضم في ذلك الوقت نخبة من رجال الاحتلال الانجليزي ورجال الأعمال المصريين، وعن خدم هذا النادي.
قصة جميلة أخذتني من قصر فؤاد إلى بيت خادمه، ومن فكر عربي إلى فكر أعجمي والمسافات الشاسعة بينهما رغم عيشهم في البلد ذاته. لطالما أحببت تلك الحقبة من الزمن.
الرواية هي للأديب المصري علاء الأسواني، بدأت أولى صفحاتها في ألمانيا تحديدا في القرن التاسع عشر، حيث يحاول أول مخترع للسيارة " كارل بنز" وزوجته الناس إن السيارة ليست من عمل الشيطان، إنما هي اختراع علمي سيذهب بالبشرية لمستوى جديد.
ومن ثم ننتقل في صفحات الكتاب إلى مصر مع دخول أول سيارة للبلاد، حيث شهدت شعبية كبيرة.
أما أحداث الكتاب الرئيسية تدور من العام ١٩٤٦ إلى ١٩٤٩، وارتبطت بنادي السيارات المصري وما يدور فيه من قصص غريبة، من مديره البريطاني إلى طاقم الخدم المصري الذي كان يشرف على راحة الطبقة الأرستقراطية العربية والأجنبية في مصر، مع مزيج من المؤامرات وحركة المقاومة الشعبية آنذاك.
كما تتحدث الرواية أيضا عن قضايا جوهرية للمجتمع المصري في فترة الأربعينيات، كالحقوق السياسية والاجتماعية أثناء فترة الاحتلال البريطاني، والعدالة، وتطرف الشخصيات الحاكمة في البلاد.
صور لنا الكاتب شخصية الملك فاروق في ذلك الوقت، ووضعه في قالب الإنسان الضعيف الذي تتحكم فيه شهواته، وهو ما جعل التحكم فيه أمرا سهلا للغاية، خاصة مع عدم اهتمامه بالحركة السياسية في مصر. بالطبع التجسيد الضعيف لصورة الملك فاروق في الكتاب، جعلته عرضة لانتقادات تاريخية عديدة، إذ أتهم الكاتب بالتضليل التاريخي وتشويه صورة أحد ملوك مصر المميزين في التاريخ. رغم هذه الانتقادان، إلا أن الرواية تحصلت على عدة جوائز، وكانت من الروايات الأكثر قراءة لعلاء الأسواني فور نشرها.
“لو تخلصت من كل انتماء ماعدا إحساسك بالإنسانية سيساعدك ذلك علي اتخاذ الموقف الصحيح”
“قد يكون الإنسان محاطاً بالبشر لكنه يحس بوحده لأنه يفكر بطريقة لا يفهمها الآخرون.”
“ليس من العدل أن تبني حياتك كلها علي وجود شخص ثم تفاجأ باختفائه بلا انذار ولا سبب.”
“الصدمات القوية التي تنقض علي رؤوسنا كالصواعق تحتاج الي وقت حتى نستوعبها..
“قد تستغرق سنوات حتى تدرك معنى موت أبيك، أن يموت أبوك معناه أنك أصبحت في العراء، مكشوفاً، وحيداً، ضئيلاً، بلا سند، هدفاً سهلاً متاحاً لكل الضربات، ستشعر بأن القدر يحيط بك تماما، يُظللك كطائر الرخ الخرافي، ستدرك أن ما حدث لأبيك ليس بعيدا عن أحد، ما أغرب أن ترى أباك في الصباح وتتحدث وتضحك معه ثم تعود في المساء فتجده جثة وتواريه التراب في اليوم التالي، سيدهشك أن أباك؛ ذلك الكائن الراسخ الذي شَكَّل دائماً عمود حياتك قد تحول فجأة إلى ذكرى وها أنت تتحدث عنه فتضيف جملة
الله يرحمه."
تأتي هذه الرواية الجميلة بعد أعمال رائعة للكتاب علاء الأسواني، منها، أوراق عصام عبد العاطي التي نشرت في العام 1991، وعمارة يعقوبيان في العام 2002 والتي حولت لعمل سينمائي قام ببطولته النجم عادل إمام، ومن ثم إلى مسلسل، بعد سنوات نشرت رواية شيكاجو تحديداً في 2007.
لطالما أحببت أعمال الكاتب الدكتور علاء الأسواني، والذي يعتبر من كبار أدباء مصر في القرن الحالي، قال عنه البعض أنه صورة أدبية لمصر في كل حالاتها، فيما أكد آخرون أن أعماله كانت السبب في دخولهم مجال الأدب والرواية، وأكثر من هذا قال عنه النقاد الأجانب، أنه روى تاريخ مصر خاصة في فترة الاحتلال، بعين مصرية لم ترو من قبل.