قرأت رواية تراب الماس للكاتب المصري أحمد مراد منذ سنوات، وعدت لقراءتها مجدداً في الآونة الأخيرة، فالرواية الرائعة مثل الفيلم الجيد الذي تحتاج إلى مشاهدته مجدداً من فترة إلى أخرى. ورغم تحويل العمل إلى فيلم مصور، تبقى رواية تراب الماس من روائع أحمد مراد.
تأخذها الرواية بين طياتها، إلى أسرار علم النفس، وتغطس بنا إلى عمق شخصياتها، وتحليل غاياتهم، التي ليست دائماً طيبة.
فنرى مثلاً قيام إحدى الشخصيات بجريمة قتل متعمد، ثم يوضح لنا الكاتب في باقي الصفحات دواعي هذا الشخص، بل ويجعلنا في صفه، نحاول إنقاذه...أثبت لنا فعلاً مراد أن القتل يصبح أثراً جانبياً لعوامل أخرى.
تراب الماس هي رواية تحتوي على الجريمة مع قليل من الغموض والتشويق، تجعل القارئ يلتهم صفحاتها حتى ينتهي منها، وما يجعل الرواية مميزة أيضا هو تناول مواد لتاريخ مصر بطريقة سلسلة لا تشعر بالملل.
تبدأ أحداث الرواية منذ ثورة عام 1952 في مصر وما تلاها من أحداث بطريقة سريعة إلى أن وصل بها الكاتب إلى عصرنا الحالي.
تتمحور الرواية حول "طه" الذي يعمل كمندوب مبيعات، والذي يكتشف في بداية القصة جريمة قتل والده، لتأتي المفاجأة لاحقا، ويثبت أن والده نفسه كان قاتلاً، حيث يدون في مذكراته طريقة قتله لعدد من الشخصيات، وهنا يصبح طه مهووس بذات الفكرة، ويحاول تعليل جرم والده، ويتعرف على سلاحه الفتاك وهو "تراب الماس" ذلك المسحوق الغريب الذي يتسبب في موت من يتذوقه فقط. وكل هذه الأحداث تقود طه إلى الكشف عن شبكة فساد كبيرة وتعاون الفاسدين مع رجال الشرطة.
قد تبدو قصة الرواية مألوفة ومكررة، تم استخدامها في العديد من القصص والأفلام السينمائية، حيث يقوم البطل بعدة جرائم لتحقيق العدالة، رغم هذا نجح الراوي في أن يجعل القارئ مدفوعا بالحكاية الجديدة، إلى أن ينتهي منها.
نص أعجبني من الرواية:
"لم يعد السكوت حلاً، انتظار من ينظّف أمام بيتي أصبح أسطورة.. قالوا: لا يحك ظهرك أفضل من ظفرك، شخصياتٌ عفنة وأرواحٌ ميّتة.. أرى ذر التراب في أفواههم خلاصًا من نفايات...تراب يدي اليمنى...شريعتي المصحوبة برسالة تحذيرية وحلم يقلقل الظلام في النفوس...يتيح فرصةً للتوبة وتخفيف الذنب أمام العادل الحكيم.. فرصة واحدة فقط لأصحاب ضمائر تعفنت وضرب الخضار جذورها...لم يعد العدوان هم الوباء وحدهم...أن تُعلن عداوتك صراحةً نوع من أنواع الشرف أمام من نسي حقه واستخف أهله...يتواضع ذنب «ليتو» كثيرًا أمام من يخربون مجتمعهم بأيد باردة وينخرون كالسوس في العظام.. العدو الكامن في الداخل ينام بيننا في سلام...ينعم بالحماية والشرعية بعدما تزاوج فأنجب آلهةً صغارًا وأصنامًا وضعت لتبعد، نفس الوجوه التي أرادت أن تخلصنا يومًا من الملك...صارت هي ألف ملك."
أعتقد أن أعن سؤال يطرح الكتاب في هذه القصة، عما إذا كان الشر طريق حتمي للخير، وأن ضحايا القضية، هم الجزء الأهم في المعادلة، سؤال طرحه العديد قبل مراد، ولكن ككل نهاية، كانت الإجابة مبهمة، فسؤال كهذا لا يستطيع الكاتب أن يلقي بإجابته على نفس القارئ، فيشابه بذلك المجرم، الإجابة قابعة في أنفسنا نحن، الممزوجة من هذا وذاك...
أحمد مراد كاتب ومصور ومصمم جرافيك مصري، تخرّج في مدرسة ليسيه الحرّية بباب اللوق عام 1996 قبل أن يلتحق بالمعهد العالي للسينما ليدرس التصوير السينمائي.
بدأ مشواره الكتابي في 2007 برواية فيرتيجو التي مهدت طريقه للشهرة وتحولت لمسلسل تلفزيوني ناجح من بطولة هند صبري (رغم أن بطل الرواية كان مصورًا وليس مصورة)، وأعقبها برواية تراب الماس، ثم أنجح رواياته الفيل الأزرق التي تحولت لفيلم في 2014 بطولة كريم عبد العزيز ونيللي كريم وإخراج مروان حامد وحصد الفيلم نفس نجاح الرواية، ثم رواية 1919 التاريخية قليلًا والأقل نجاحًا، وفي رأيي أهم روايته أرض الإله التي لاقت نقدً كبيرًا. عمل أحمد مراد كمصور للرئيس محمد حسني مبارك، وعمل كذلك كصمم أغلفة للروايات، وأخيرًا كاتب سيناريست وأول فيلم يكتبه هو فيلم الأصليين 2017.